عرض المقال
هل التخابر جديد على الإخوان؟ (4)
2013-12-23 الأثنين
تخيل المتابعون والمحللون وأيضاً السياسيون وضباط الثورة أن الإخوان بعد انكشاف محادثاتهم مع الإنجليز سيقطعون حبل الخيانة السرى ويدخلون مرحلة الكمون أو الاندماج مع الثورة والتخلى عن لعبة تكسير العظام الناتجة عن الثقة المفرطة فى سيطرتهم على الشارع، ولكن للأسف هذا لم يحدث لسبب بسيط وهو أن الإنجليز أنفسهم منحوا الإخوان تلك الهالة من القدسية وهذه الدرجة من القوة المفترضة، وكما يقول المثل الشعبى «اللى يلاقى دلع وما يدّلعش» وخاصة لو كان دلع الإنجليز! تكشف لنا قراءة د. رؤوف عباس للوثائق البريطانية عن اجتماع فى يوليو 53 بين إيفانز والإخوانى سعيد رمضان الذى أبدى للسفارة أن الإخوان يفضلون التفاهم مع الإنجليز وليس الأمريكان وأنهم ينتقدون الضباط المتعاونين مع الأمريكان، ووجد الإنجليز ضالتهم فى شخص سعيد رمضان، ودشنوه نجم المرحلة، ولا أعرف لماذا تملّك الإنجليز يقيناً راسخاً بأن المعركة بين الإخوان والضباط ستنتهى حتماً بفوز الإخوان -دائماً الرهان الاستعمارى خاسر وهذا من حسن حظ الشعوب- ومن الممكن أن يكون حديث عبدالناصر لإيفانز عن انقسام الإخوان إلى قسم معه وقسم ضده أعطى للإنجليز انطباعاً بخوف ناصر والضباط الأحرار من اتحاد الإخوان، واستعداداً لحكم الإخوان المحسوم مقدماً. كلف الإنجليز ضابطاً كندياً مخابراتياً خبيراً بالإخوان اسمه هاردى بكتابة دراسة تفصيلية عن تنظيم الإخوان واحتمال سيطرته على مقاليد الأمور فى البلد، وكان التقرير فى صالح الإخوان تماماً ومنحهم صورة سوبرمان الذى لا يُقهر عند الإنجليز، فقد انتهت دراسته إلى أن الإخوان جماعة فائقة التنظيم ونفوذها متسع وعدد أعضائها أكثر من نصف مليون وفرص مكسبها كبيرة.. إلى آخر هذه الصورة المتضخمة المفخمة المنفوخ فيها كصور مرايا الملاهى والتى جعلت الرهان على الإخوان مضموناً، واللعب على كل المدخرات فى صالة القمار الإنجليزى لا يمثل خسارة على الإطلاق، وجاءت المفاجأة والكارثة عندما تحرك عبدالناصر بسرعة وحل الإخوان فى يناير 1954 واعتقل قياداتها، وبرغم كل هذه الخطوات العنيفة التى صاحبها تأييد جارف من الشعب إلا أن الإنجليز كانوا مصابين كأصدقائهم بمرض الإنكار وتوقعوا عزلة مجلس الثورة القريب بل وتوقعوا اغتيال ضباط الثورة بمنتهى السهولة ووصفوا تصفية الإخوان بأنها عمل جنونى، ولكن حركة التاريخ كانت مع عبدالناصر، ونسى الشعب فى عهده شيئاً اسمه الإخوان إلى أن أعاده السادات مرة أخرى.
الخلاصة أن التخابر عيب وراثى جينى سائد لا يتنحى إطلاقاً من أرواح وأجساد الإخوان لأنهم لا يعترفون بالوطن، أرجوك اقرأ سلسلة المقالات الأربعة واستبدل كلمة أمريكا بكلمة إنجلترا وستجد أن روح التخابر لم تمت داخل الإخوان، تاجروا بالإسلام وبالقضية الفلسطينية مع أمريكا مثلما تاجروا بها مع إنجلترا، وتآمروا على الوطن وطلبوا الحماية والتعاون مع ومن أمريكا مثلما فعلوا مع إنجلترا، التاريخ يتكرر ولكن من لا يتعلم من هذا التكرار ويتوقع ويقرأ ويتصرف ويستعد هو باختصار يعانى من مرض الغباء المزمن.